محمد بن سالم التوبي
الاعتراف بالدول سواءً كان على المستوى الفردي أو داخل أروقة الأمم المتحدة هو أحد الأشكال القانونية على الدعم وقانونية وجود هذه الدولة، ولا ريب أنَّ حصول فلسطين على الاعتراف الدولي لما يقارب من 150 دولة من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا يُعد مكسبًا كبيرًا لها ويقزّم الاحتلال الصهيوني الذي تعاني منه فلسطين على مدى 77 عامًا ذاق فيه الشعب الفلسطيني الأمرّين.
وقد اعترفت 150 دولة بفلسطين وبعض منها من الدول الدّاعمة لإسرائيل والقريبة منها دائمًا، ولكن ما السرّ في هذا التوقيت والذي يتم فيه الاعتراف بفلسطين كدولة؟ وبالأخص التوقيت الذي اختارته بريطانيا- الحليف الأكبر للكيان الصهيوني الغاصب- والكل يعلم الدور البريطاني في تأسيس كيان لليهود في أرض ليست لهم وإنما كانت إحدى مستعمراتهم التي تركوها لليهود لإخراجهم من أوروبا التي عانت منهم ولم يكن لهم طريق إلا إيجاد أرض لهم ليعيشوا فيها ويعيثوا بها فسادًا وإجرامًا كما هم عليه على مرّ الزمان والعصور.
لقد جاء الاعتراف البريطاني بعد 77 عامًا من سلب الأرض من أهلها وتسليمها لليهود الذين طُرِدوا من أوروبا واستقبلهم أهل فلسطين بكل الود والترحاب واحتالوا عليهم لاحقًا- كما هو عهدهم مع الأنبياء والرسل ومع الشعوب الأخرى التي حاولوا التعايش معهم- ولكن لم يكن لهم سبيل للعيش معهم فهم أهل الغدر والخيانات، وما لبثوا أن شكّلوا العصابات المنظمة وبدأوا في الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين وحرقها، وكل ذلك كان برعاية إنجليزية من إخلاء الأرض واستبدال أهل فلسطين بهؤلاء الرعاع.
لا يكفي هذا الاعتراف من قبل بريطانيا، وإنّما عليها أن تقف مع الحقّ الفلسطيني وإصلاح ما أفسدته على مدى عقود طويلة من الزمن، فقد أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق. وهذا الكيان البغيض الذي زرعته بريطانيا في خاصرة الأرض العربية ما هو إلاّ كيان لزعزعة الاستقرار العربي وشوكة لتفريق الأمّة العربية حتى لا تتوحد كلمتها.
ما قامت به بريطانيا لا يمكن أن يغفره التاريخ مهما عملت من تصحيح للوضع في المنطقة ولن ترجع الأرض إلى أصحابها، ولن تُعيد السكان الذين شرّدتهم من أوطانهم ولن تُعيد الحدود التي فرّقت الأهل في كل البلدان التي استعمرتها، ولكن عليها في هذا الوقت أن تكون صادقة في توجّهاتها نحو القضية الفلسطينية وتقف مع الحق والمطلب الفلسطيني المشروع في هذه المرحلة المفصلية الهامة من تاريخ النضال الكبير على مدى ثمانية عقود من الزمن أريقت فيه الكثير من الدماء الفلسطينية.
يعلم العرب أنَّ هذا الاعتراف يأتي في وقت عصيب جدًا على المجتمع الدّولي في الوقت الذي عصفت فيه الدبابة الإسرائيلية بكل القيم الدولية التي قامت عليها الأمم المتحدة في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية. ولا أجانب الصواب إنْ قلت إنَّ هذا الاعتراف هو أقل القليل الذي يُمكن أن تقوم به الدول تجاه فلسطين، ولا بُد أن يكون اعترافًا حقيقيًا بقيام الدولة الفلسطينية وحدودها وحقوقها المشروعة التي يكفلها القانون الدولي برعاية المجتمع الدولي.